سجين
مبعثرة المشاعر ، أقف دائما على ناصية كل شئ، لا أستطيع الإقدام على ما أريد، مطعونة خاصرةِ أحلامي، مكتومة انفاس ثرثرتي كأنثى، أفضْفضْ للورق أوجاعي ،
أقف على قيدِ أُنْملة من عالم أنتمي إليه ولكنتي لا أدخله ، أيُّ درب مفجعٍ أسير فيه مكبلة بجسد يفتقر لمفاتن الأنثى التي أسموني باسمها،
أحن لعالمي الحقيقي الذي يفصلني عنه هوية لا تشبهني، كانت حياتي سلسلة اغتراب قلدوا بها عنقي منذ ولدت، غريبة وسط أخواتي الفتيات ، لا أجيد لعبهن بادوات الطهي ولا أحتضن العرائس مثلهن ، غربتي صاحبتني عندما أضطررت للحياة
في دار الفتيات المغتربات أثناء دراستي الجامعية في محافظة بعيدة عن محافظة سكني، عشت مع الفتيات غريبة عن عالمهن إلا من اسم ، غائبة عن جلساتهن وسهراتهم الليلية، كيف أجالسهن وأنا تعتريني الغيرة عند الإطلاع على حكاياتهن الغرامية، أريد ان أحكي قصة حبي، ولكنني لا يمكنني أن أحكيها ، فقصتي لا تحكى، ولا أجرؤ على حكايتها، فإن يمع بها أحد، سيتهمني بأقذع الاتهامات، ويصمني بالتورط بكبيرة من الكبائر، ولن يتفهموا مشاعري المغتربة، توقد بداخلي مجامر هويتي الحبيسة، تنهش أحاسيسي مشاعري المنخنقة، هل لي بإكسير يصب على حياتي صبًا فيعيد لي حياة افقدها، يشق روحي وجع الانتظار، لو أعتصِرَت لأغرقت الكون بوابل من مطر محاجري،
ابيت مقيدة ليلا بأحلام تشبهني، وأصحو على كابوس حياة بملامح أشاهدها في مرآتي، كنت أداري ملامحي برغبة من أهلي في نقاب يستر تشوهات هويتي، ولكنني هنا في الدار لابد من أن أخلع النقاب، فرحت أحافظ على التستر بالخمار، أسدله على حواجبي، وأداري به ذقني وشعيرات تفجرت من مسامها، صارخة بما احتبس داخلي، انكشف ستري عندما فاجأتني زميلة غرفتي وأزاحت الخمار عن وجهي، قائلة : مالك ترتدينه ليل نهار ارفعيه واتركي شعرك يتنفس نحن فتيات مثل بعضنا كيف تخجلين مني.
فهالها ما رأت ، ولكن لازل سري لم يكشف ، فاعتقدت زميلتي أن ما بي مجرد إهمال فتاة لا تعرف كيف تعتني بأنوثتها، فقالت : أنت بنت لابد من الاهتمام بجمالك وتنظيف وجهك كيف تتركين نفسك هكذا، أنا سأعلمك كل ما تحتاجين لا تقلقي وراحت تفتش في حقيبتها وهي تكمل حديثها.. ليس معنى لبسك النقاب أن تتركين نفسك لتنبت الشعيرات بذقنك كالرجال، قلت في محاولة لمداراة موقفي ولإثناء زميلتي عما أرادت فعله بوحهي بعد أن أحضرت أدواتها لتصنع بي ما تصنع الفتيات في بشرتهن، أنا مريضة وما هذا إلا اضطراب هرموني والطبيب أخبرني بأن الدواء سيستمر لوقت طويل حتى أشفى ولن يظهر هذا الشعر مرة أخرى. عدلت حجابي وارتديت نقابي وهرعت إلى الخارج بحجة أنني أتلقى درسا خاصا، وكنت من بعد ذلك لا أدخل الدار إلا في آخر ساعة مسموح لي بالدخول فيها لأتجنب لقاء الفتيات ومخالطتهن،
كنت أصحو قبلهن وأدخل الدار آخرهن، ذات يوم كنت في الحمام ، في نفس الوقت استيقظت إحداهن ووقفت تطرق الباب تتعجل خروجي، وأنا أنهي قضاء حاجتي صرخت الفتاة، أتفعلين كما يفعل الرجال، خرجت ولم تنبت على شفتي القاحلة كلمة ، إنهارت أوجاعي على سفْحِ الروح، وانطلقت خارج الدار، سرت أرى أمامي طفلة تتهاوى من شاهقِ وحدتي
، كأنّ زُرْقةِ المداءات الشسوع
ترتسم عليها رحلة عشرون عاما من عمري، كانت صفحاتها تتقلب أمام نواظري، صفحة ضاعت فيها هويتي في ربكةِ التأويل
، عندما أخبرت القابلة أمي أنني أنثى. تلتها أمام ناظريّ صفحة طرّز فيها القلقْ
بنبضِي نص فارغ من الأبجدية
التي تمثلتي (هي ، أنتِ، يا فتاة )، كلمات كانت حروفها طعنات تدمي روحي، وكانت أكثر الصفحات وجعا هي صفحة مشاعري المرفوضة، بها قصائدي التي كتبتها لمن أحببتها، ولم أجرؤ على إرسالها لها إلا باسمٍ رجالي مستعار، لازال حُلُمي نطفة في شرنقة الحكاية، أن ألتقي بهويتي وأعيش حقيقتي، وعندها سأخبرها بأنني هو، عدت إلى السكن وسري يفري كبدي ، لم يطلع أحد عليه فقط رأوا مظاهره ولم ينتبهوا لما تعنيه المظاهر، ولكن أوجاعه تسكنني وحدي وأسكنها حتى حين،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق