اخر الاخبار

اكثر المقالات قراءة هذا الاسبوع

share

اعلان ممول

اعلان ممول

حكايتي مع التلاتين ...بقلم / ياسمين حافظ


عندما أنظر إلى غرفتي التي أصبحت جزءاً لايتجزأ مني وإلى الجدران الدافئة لقلبي التي تلتف حولها في كل مكان، والمنضدة و بعض حاجياتي
العشوائية، وإلى الأريكة التي أعشقها و استخدمها دائماً للكتابة، وقلمي صديقي الذي لم ولن يفارقني، وأجواء الغرفة كاملة التي عشقت فيها عزلتي عن العالم الخارجي،

 اتعجب للحظات على مرور الأيام والليالي والسنين التي مرت كالبرق سريعاً دون أن ندري بها، فصرت أنظر إلى مرآتي وأرى نفسي وكأنني لأول مرة أنظر إليها و أتسأل مع نفسي كم أبلغ من العمر الآن و كيف حالي الآن وكم وصلت إلى درجة من النضوخ و رقي التفكير و حسن التصرف و الثبات الإنفعالي و كيف كبر عقلي مع عمري ؟؟

 وكانت كل هذه التساؤلات التي دارت بيني وبين نفسي بسبب عمري الذي دخل في الثلاثين عاماً و ما أدراك ما هو سن الثلاثين عند الكثير من الفتيات وأيضاً الشباب فهو كالوحش الكاسر الذي يقتحم أعمارهم وكأن كل شيء ينتهي في حياتهم وشبابهم من حيث يبدأ الثلاثين ومن هنا تبدأ مرحلة الرعب والتفكير المستمر مع إستخدام أدوات الإستفهام الخمسة ؛

لماذا و كيف و ما وماذا ومن ؟؟ والحقيقة أن عمر الثلاثين هو مثله مثل أي عمر و كل ما في الأمر إنه بداية لمرحلة جديدة في حياة أي شخص و بإحساس جديد مع ترتيب لمستقبل آخر، فالعمر ليس مجرد رقم، العمر هو فيما استفاد منه الشخص و ماذا تعلم من خبرات الأعوام الماضية و علاقاته السابقة و الأزمات و المحن و النعم و الأوقات العصيبة التي تعايش معها وتجاوزها، لا تربط نفسك وحياتك بعمرك ولا تربط مدى انجازاتك وفشلك حسب ما تبلغه من العمر طالما مازال لديك عمراً ونفساً في الحياة، والله سبحانه وتعالى مازال يعطيك الفرصة لتبدأ من جديد أو لتستمر في طريق كفاحك .

 وسأخبركم بما استفدته من خبرات الأعوام الماضية وخبرات علاقاتي الإجتماعية وحياتي الشخصية و كل المواقف والمتاعب والعراقيل والصعوبات التي واجهتني في الحياة وواجهتها لتكون خير شاهداً على أن الثلاثين عاماً من أجمل و أعظم الأعمار فهو بداية لمرحلة جديدة للكفاح والإنتصار، فكبرت ونضجت وتعلمت أن من الألم دائماً وأبداً يأتي الأمل ومن المحن تخرج منها المنح الكثيرة والعطايا الجميلة من رب العالمين .

 فكلما كبرت وتعلمت ونضجت، كلما أحببت الجلوس بغرفتي وحدي بمعزل عن العالم الخارجي، بعيداً عن غوغاء المحيطين وعبث العابرين، أحببت الضوء الخافت و الأصوات الهادئة والأحاديث القليلة، الجلوس مع الأرواح البسيطة، النظر إلى بساطة الأشياء، اللجوء إلى الدعاء في كل الأوقات، وكلما كبرت وتعلمت ونضجت عرفت أن الموت يلازمنا في كل وقت ومكان وأحياناً يكون في الموت الحياة، فعندما يموت شيئاً في تفكيرك يضرك فهذا حياة، يموت مرض بداخلك فهذا حياة، عندما يموت حباً مزيفا بداخلك، وعندما يموت كل شيء غير صحي في الحياة فهو بداية لأعظم حياة .

 كبرت وتعلمت فنضجت وعرفت أن الحياة لا تسير دائماً على ما يرام حتى نسير نحن على ما يرام، ولولا الصعوبات والتحديات والمعوقات ما كنا تعلمنا وفهمنا و نضجنا و تكيفنا مع الحياة، والله لا يحمل نفساً فوق طاقتها وكما يقول المثل الشعبي " كل برغوت على قد دمه "، والحياة تحتاج أحياناً إلى التجاهل وهو تجاهل أحداث وأشخاص ومواقف وأفعال، فليس كل شيء في حياتك يحتاج لوقوفك و محاربتك،

والحياة تحتاج لبعض الجنون حتى تنشغل عن هموم الحياة وتهون، وتأكدت أن الحياة مع البشر حرب قوية و مع النفس حرب أقوى وسنظل في محاربة حتى نهاية العمر، تعلمت أيضاً أن لا تنتظر الملائكية من البشر، فأنت نفسك من بني البشر ولست ملاكاً و لأبد أن تتقبل شرورهم وتعرف كيف تتعامل معها بحكمة وحنكة وحسن تصرف، وعرفت أن لكل شيء نهاية ووقت معين حتى علاقاتك الإنسانية مهما كانت وطيدة وقوية فستنتهي وكأنها لم تكن من قبل، كما لا تنسى أنك أيضاً ستنتهي ولك مدة صلاحية في الحياة .

 فتبحرت في الحياة وأخطأت كثيراً حتى تعلمت و وجدت كل شيء عكس ما كنت أتمناه، وفهمت أن كثرة الكلام تقل المقام والهيبة وتفضح صاحبها وتقعه في أخطاء كثيرة، وكثرة المزح والجدال تقل من القيمة و تفضح صاحبها ومن حوله و تقلل من شأنه فخير الأمور
التوازن بين الجد والمزح والقيل والقال، تعمقت في أصولها وأبجدياتها حتى رأيت حقائق علمتني ما لم أتوقعه في يوماً من الأيام، علمتني الحياة أن لكل شيء أصول يجب حدوثه، لكي تتعلم يجب أن ترهق ولكي تنضج يجب أن تجرح ولكي تستوعب الدرس من أخطائك فعليك أن تخسر لكي تكسب في المستقبل، الحياة ليست دائمة فهي دائماً متغيرة، ومن تعود على روتين عمل أو أشخاص أو أماكن وعادات فليعلم أنها ستتغير وحتماً ستتغير ويتغير هو وكل شيء معه وحوله، ستمر عليك أياماً عصيبة وحينها ستقف عندها كل شيء و ستعيش الموت وأنت حي، ولكن بقدرة الخالق الوهاب سيجعلك تتجاوز هذه الأيام وسرعان ما يشفيك من آلامها المبرحة، فيعوضك بأياماً سعيدة و يجبر بخاطرك بما لم كنت تتوقعه وتتخيله يوماً، فهكذا هى الحياة، التعلم في الحياة ليس بهين ولكنه صعب ومؤلم، ولكي تتعلم في الحياة ليس من المرة الأولى ولا الثانية ولكن بعد عدة مرات ستتعلم جيداً، فالتعلم الجيد والذي يأتي منه الخبرة يسبقه تجارب مؤلمة جداً، حتى تصبح بحاراً ماهراً في بحر الحياة، سنعيش دائماً نتعلم مهما بلغنا من الكبر سنتعلم حتى نموت وكما يقال " يموت المعلم وهو بيتعلم "، أدركت تماماً أن القوة في الصمت كما يقال أن " الصمت لغة العظماء " وللصمت لغة لا يفهمها غير الحكماء و أصحاب التفكير الراقي، فعندما يوجد بداخلك بركان من الغضب والألم وبعض المشاعر المكبوتة ولا تبوح بها، لأن ذلك ليس الوقت المناسب،

 فذلك هى أقصى أنواع القوة، وأدركت أيضاً أن من أقصى أنواع القوة أنك تتحمل ما لا تستطيع تحمله و قادر على التخلي من و عن أي شىء، و قمة القوة في الصبر على كل شىء يفوق قدرتك و استطاعتك و تفكيرك واستيعابك و مشاعرك وطاقتك، و القوة الحقيقية في إيمانك بقضاء الله وقدره و حسن ظنك بالله .

 تألمت فتعلمت أنه من الأفضل لك أن لا تورط نفسك بعلاقة تدمرك، اكسب نفسك قبل فوات الأوان، ابحث جيداً عن العلاقات البسيطة التي تهون عليك الطريق، وتعينك على مواجهة مضايقات الحياة، وفي عز أزماتك تكون لك طوق النجاة، قرب من كل علاقة تكون لك مصدر الراحة النفسية وتعطيك الأمل والأمان، بمن تؤمن بك و تقدرك وتضعك في أولوياتها، اهتم دائماً بالنفوس الصالحة من حولك و تجنب كل النفوس الطالحة التي تسبب لك الضيق وتكدر لك الحياة، خذلت فتعلمت أن من لا يصفق لك في نجاحك احذر منه ومن لا يعرفك إلا في وقت نجاحك تجنبه ومن يستغنى عنك دائماً وقت فشلك و ضيقتك وأزماتك احذفه من قائمة علاقاتك للأبد، أرهقت في الحياة فتعلمت متى أعرف أقول لا ومتى أعرف أقول نعم، ومتى استمر ومتى انسحب، ومتى اغفر ومتى ابتعد، وكيف أحب ومن أحب ولماذا أحب، وكيف أكون سنداً لنفسي دون الإعتماد على الغير، وكيف أكون سنداً لغيري دون التفكير في فعله السيء من قبل، وكيف اتعلم أن لا أكره ولا أحب بزيادة مبالغ فيها، ولكن هونا في كل شيء حتى لا أقع في بحر الأخطاء والخسائر، فالحياة قصيرة ولا تستحق منك غير عمل سيرة وذكرى طيبة لك وأن يفوح منك عطر أخلاقك في كل مكان تعبره .

 كلما كبرت سناً كلما كبرت شكلاً وجسماً " ، " كلما كبرت عقلاً كلما كبرت نضجاً وفهماً "،" كلما كبرت نضجاً كلما كبرت موقفاً وفعلاً "،" كلما كبرت قلباً كلما كبرت حباً و خيالاً "، " كلما كبرت ثقافة وفهماً كلما تغيرت موقفاً وتصرفاً وأسلوباً ومزحاً، و رد فعلاً وانفعالاً وشعوراً و أصدقاءاً وقراراً وحياة بأكملها "، فأنت وحدك صاحب القرار في إختيار عمرك كيف يكبر ومع من يكبر وفي أي شيء يكبر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

...

...