نظر له الطبيبُ وإبتسم إبتسامةً باهتةً تخفي خلفَها بعضَ الضيقِ قائلاً: "اسف التحليلُ إيجابي " بُهت أحمد وهو يرددُ مَذعورًا: " كيف؟ ليس فى عائلتى مريضٌ سكرى! " استطرد الطبيبُ: " ليس كلُ السُكرِ وراثيًا اطمئن
لم يعُدْ السُكرى بهذه الخطورة ويُمكننا السيطرة عليه، فقط اتبع التعليماتِ " . ابتسم أحمدُ بمرارةٍ: " ان شاء الله " .. وانصرف شاردُ الذهن، وصل الى المنزل، جلس أمام الشبكةِ العنكبوتيةِ (النت) يُحدث نفسَه بوجلٍ وتحديٍ: " لابد ان أعرف كلَ شئٍ عنه، لابد من السيطرة عليه كما قال الطبيبُ: "، بدأ البحثَ، وظهرت النتيجةُ.، استوقفه خبرٌ سارٌ (اكتشاف علاج جديد وفعال لمرضِ السُكرى )، ضغط سَريعًا؛ أملًا في الشفاءِ، اكمل قراءةَ الخبرِ وكانت المُفاجأةُ: (الدواءُ الجديدَ توصلت إليه الطبيبةُ النجيبةُ: هدى عبد الرحمن ). ضحك بصوتٍ عالٍ وهو يرددُ: " حقًا خبرٌ سارٌ "؛ وهو سار ليس لانه عِلاجًا جديدًا للسُكرى وحسب ولكن لان صاحبته هى الدكتورة هدى! سنواتٌ وسنواتٌ مرت منذ رآها أخر مرة في حفلِ نهاية المدرسةِ الثانوية التي جمعتهما معًا، كانت الاولى دائمًا، وكم كان شغوفًا بهدوئِها وطموحِها وابتسامتِها الرقيقةِ وتواضعِها الجم. إلتحقت بكلية الطب وإلتحق بكليةِ التجارةِ، ومن يومِها انقطعت أخبارُها ولكن ابتسامتها لم تنقطع ابدا عن مداعبتِه مع ذكرياتِ الطفولةِ والصبا من آن لاخر. وها هى فجأة تطلُ عليه بوجهِها الصبوحِ وابتسامتِها الساحرةِ، تغيرت قليلا؛ ارتدت نظارةً طبيةً وهذا امر طبيعي لمُجتهدةٍ مثلها، ازدادت نحافة وهذا ايضا امر طبيعي فلابد انها تبذل مجهودًا شاقًا ولا تأكل جيداً كعادتِها. لكنها مازالت شمسًا مُشرقة وقد اشرقت في لحظةٍ حرجة من حياتِه بدواءً لمرضِه. تناول هاتفَه بسرعةٍ، طلب المستشفى، نزل مُسرعًا، ادار مُحرك سيارته -راجيًا الله ان تتذكره- وصل الي المستشفي، توجه الى عيادةِ السكرى، لمحها، اقترب منها فى وجل وحذر: " مساء الخير دكتورة هدى " رفعت رأسها وبابتسامتها الرائعة: " مساء النـ ور" ولم تُكملها زادت ابتسامتها، وبهدوءٍ يعرفه جيدًا: "احمد !!! " ابتسم وقد هربت كلُ الكلماتِ: " لم اتوقع ان تتذكريننى ! " ابتسمت بحياءٍ شديد -كان مثار اعجاب كل الطلبة- : " كيف لا اتذكر زميلَ الزمنِ الجميلِ أهلا بك، ماذا تشرب ؟ " ابتسم وهو يرددُ: " شاى بدونِ سُكر واكمل بأسى اننى مريضٌ سكرى " ردت برفقٍ: " اطمئن العلاجُ سهل باذن الله" رد مُطمئناً: "اعرف ولهذا جئت " تناولت جهازَ قياس السكرِ، اخذت عينةَ الدمِ، كتبت الدواءَ، وشرحت التعليماتِ، وابتسمت: " الاستشارةُ الاسبوع القادم " شكرها وهَمَ بالانصرافِ وقد شعر بالشفاءِ، مد يده يسلم عليها -انها لا ترتدى خاتم الزواج - عاد اليها مترددًا بعد ان ابتعد قليلًا: "دكتورة هدى هل تسمحين لى بسؤالٍ شخصي؟ " هزت رأسها بالإجابِ: " كيف حال زوجك واولادك ؟ " شعرت بالارتباكِ، ردت بأسفٍ وحياءٍ: " لم اتزوج " .. ودون ان يشعر ابتسم ابتسامة انارت وجهَه وكأن اعترافها طوق نجاة ألقته لغريقٍ .... وأردفت وهى باسمة: "وكيف حال زوجتك واولادك ؟" ... رد السؤالَ بسؤالٍ صادم: " هل تقبلينني زوجًا؟" لم ينتظر الاجابة، انصرف وهو يردد: "موعدنا الاسبوع القادم ..." لقد وصله الرد في صمتٍ خجول، هرول وهو يشكرُ النت والسُكر الذى اختفى من طعامِه وشرابِه ليُحلى حياتَه كلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق