ـــــــــــــــــــــــــــــ
كعادتها الصباحية التى لا تتغير
أعدت فنجانين من القهوة ،
وبالشرفة المطلة على الحديقة وضعت تلك المائدة التى
تحتفظ بها منذ زواجها والذى يمتد لأكثر من ربع قرن وكرسيان من الخيزران العتيق بطنتهما بحشو من الريش مغطى ومكسو بالحرير هم كل عالمها الصباحى .وضعت القهوة ومالت عليه هامسة بحب وهيام أتمنى أن تعجبك قهوتى لهذا الصباح ولا توبخنى ككل صباح .
تأملت نظرته الحانية لها تلك النظرة التي لم تتغير منذ تزوجا مزيج من التأمل والود الممزوج بحنين وشوق لم يخفت أو يخبو بريقهما .
قالت بود : وماذا بعد هل سأتحدث وحدى ألا يروقك حديثى ؟
مدت يدها بأصابع مرتعشة وبلمسة حانية إقتربت من جبينه حتى كادت تلتصق به لم يمانع ولم يدنو أو يبتعد ولم تتغير نفس النظرة الحانية الممزوجة بالعشق .
مالت نحوه بهدوء وقبلت جبينه .
تحدثت كعادتها الصباحية عن أولادهم وكيف أصبحوا ناضجين رغم أنهم بعيدين عنهم ولكن والأهم من كل ذلك أنهم ناجحون نعم هم يأتون إليهم كلما سنحت الظروف لذلك ولكن لا بأس فما دمت أنت معي فلا شئ يؤذيني .
إرتشفت بعض القهوة محذرة إياه أن قهوته ستبرد ككل مرة وأنه سيلومها كالعادة لأنها لم تحذره .
أشارت له بنظرة حالمة أن ينظر معها نحو السماء الصافية بزرقتها وقرص الشمس المشتعل يرسل أشعته المخملية وقوس قزح الذي يتماوج بكل الألوان بين السحب ليضفي عليها سحرًا لا تخطئه الأرواح النقية حتى تبدو وكأنها لوحة فنية أبدع فيها الفنان كيف لا والمبدع هنا هو رب هذا الكون .
أردفت قائلة وهى تتأمل تفاصيل وجهه العاشقة كم هو جميل أن نستمتع أحياناً بما حبانا الله به من الطبيعة الساحرة ونستشعر عظمته وإبداعه .
لم برد واكتفى بنفس النظرة التأملية الممزوجة بالعشق .
قالت بحده وكأنها قد نست أمر هام : نسيت أن أخبرك فبعد غدٍ سأحتاج الى بعض الأغراض لأعد بعض الكيك والحلويات أم تراك نسيت كعادتك أننا بعد غد سنحتفل بمرور تسع وعشرون عامًا على أول لقاء جمع بين قلوبنا ؟!
إستطردت قائله وهى تعود بكرسيها للخلف وبذاكرتها للماضي السحيق هل تذكر ذلك ؟
يا له من لقاء لا يُنسى ولا يُمحى من الذاكرة ما بقيت الأنفاس تتردد بصدري وما دام بقلبي نبض يردد اسمك .
أغمضت عينيها ومالت برأسها للخلف لتستعيد أجمل لحظات العمر بشوق وحنين قائلة بدهشة هل يعقل ذلك ؟
ما زال شئ شئ لا يصدق !
كان لقاءنا قدرًا وما أروعه من قدر وكأننا كنا نبحث عن بعضنا البعض منذ الولادة وحتى اللقاء .
هل تتذكر أول مرة تحدثنا فيها على الهاتف ظننتنى طفلة صغيرة لم تتجاوز العشرة أعوام وأخبرتنى يومها أن صوتى كقيثارة من السماء تعزف أجمل الألحان وأننى ملاك على هيئة بشر وأنني سأظل دومًا طفلتك التي لم ولن تشيخ .
ضحكت هامسة بود وهى تقول بدلال طفولي هل ما زلت ملاكك وطفلتك الصغيرة أم تغير هذا بعد كل هذه الأعوام ؟
مرة أخرى إمتدت يدها لتلامس جبينه بأصابعها المرتعشة وبنظرة تحمل مشاعر تعجز أن تصفها الكلمات والحروف .
أنهت قهوتها فقد بدأت الشمس تملأ الشرفة بأشعتها الدافئة .
أمسكت بالبرواز بين يديها برفق وكأنها تخشى أن تخدشه بأصابعها المرتعشة .
نظرت لصورته بالبرواز نظرة أخيرة قبل أن تزيل ما ظنت انه بعض التراب والغبار قد علق على صدره وجبهته .
وضعت البرواز بنفس المكان البارز حتى لا يغيب عن عينيها التي لا تمل من رؤيته وكيف تمل من عالمها الذي يسكنها قبل أن تسكنه كما تردد دائمًا .
طلبت من الخادمة أن تحمل الأكواب الى المطبخ وأن تساعدها على العودة للفراش .
أتت الخادمة لتحمل الأكواب وهى تهمهم بلهجة إعتراضية مستنكرة وبصوت خفيض وهى تقول متسائلة لماذا تصنع كوبين من القهوة ما دامت تشرب كوب واحدا فقط بكل مرة ؟!
ربنا يلطف وكمان بتقعد مع برواز وبتتكلم مع صوره !
التفتت للخادمة بحده وهى تقول أسمعك بوضوح فلا تقولى عنه برواز ولا تظني أنه صورة فاقده للحياة فهو ما يعييني على الحياة رغم الفراق . إستطردت قائلة بحب هو ذاكرتى النابضة التى لا تشيخ مهما مر عليها الزمن فإن كانت ذاكرتي تخوننى أحيانًا أو قد تكون أسقطت بعض الأحداث أو حتى بعض الأشخاص إلا أن ذاكرتى ما زالت تمتلئ به فهو عصي على النسيان ومثله لا يسقط من الذاكرة أبدًا وما حييت فهو بالنسبة ليس شخص إنما نبض بمثابة حيااااااااااه وما أجملها من حياه بل أن كل لحظة معه كانت وما زالت حياااااااااه

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق