" مستشفى هكذا بدت ليّ بأجهزتها ورائحتها الطبية النفّاذة , كان الجو هادئا شبه مظلم إلاّ من إضاءة تأتي من هنا وهناك فتشير لوجود مكان تختفي منه الحياة ظاهرا وتتبدى في الخفاء . كنت أتجوّل بين غرف
المستشفى مستغربا ومستطلعا المكان كأني أبحث عن أحد . بضعة دقائق اقتربت من الساعة وأنا أُجدّ في البحث والتفتيش بالغرف والزوايا حتى قادتني قدماي لغرفة صغيرة مكتظة بأجهزة كغرف العمليات تتوسطها طاولة العمليات الشهيرة ويتدلى من السقف مصدر إضاءة دائري قوي لكنه مطفأ وبجواره وجدت خطّاف من الحديد مقوّس لأعلى ومتشبث بالسقف ويتدلى منه حبل غير طويل ينتهي طرفه من أسفل برقبة أحدهم ولعله طبيب بمعطفه الأبيض , كان يُحكم الحبل حول رقبته جيدا ويتأكد من متانة عقدته وهو يضحك ويتحدث لآخر بجواره .. = هكذا أحكمت العقد كي أحس بشعور من يُقدم على الانتحار شنقا ثم وهو يتحسس موضع قدمه على كرسي خشبي وتعلو ضحكته أكثر: أعطني تلك الشفرة الحادة كي أقطع بها الحبل. - لا أعرف ما دفعك لهذه التجربة لكني أعرف جيدا طبيعة جنونك ولا رادع لك إن سيطرت فكرة على عقلك .. ها هي المدية ثم ألقى بها للطبيب المعلق من رقبته بالسقف , وبينما كان هذا الأخير يُعمل الشفرة الحاة في تقطيع أوصال الحبل الغليط الذي استعصى على القطع فقد غمره عرق من قلق وشعر أن العقدة تزداد خناقا حول رقبته وطافت حول رأسه أوهام كثيرة . أثناء ذلك كان زميله في الغرفة يطوف بالغرفة باحثا عن شيء ما يصم أذنيه بسماعة هاتف انسابت منها موسيقة أجنبية صاخبة , رفع بيده طاولة من مكانها صدفة فاختلت أخرى فجأة وأخذت معها الكرسي والطبيب المعلقّ لأسفل فهوى من شاهق ودًقت عنقه في لمح بالبصر فأصبح أثرًا بعد عين . - ما الأخبار ؟ التفت الزميل محدثا زميله فوجده جاحظ العينين متدلى اللسان وقد سقطت رأسه للوراء علامة كسر سريع أصاب فقرات العنق , أدرك وفاة زميله المشنوق بتجربته ,الساعي وراء شعور الموت شنقا فعاشه حتى الثمالة .. لعلها ثوان مرت بالزميل الحي يشخص بصره إلى المتدلى من سقف الغرفة واضعا يديه بجيبي معطفه ناصع البياض متطلعا بعمق للمشهد حتى أفاق على صوت يقتحم الغرفة , غيداء ترتدي نفس المعطف الأبيض تضج حيوية وأنوثة وتتدلى من رقبتها سلسلة ذهبية طويلة تنتهي بقلادة على شكل عنكبوت من ذهب له عيون من ياقوت أحمر يتميّز بأرجله الشهيرة الثمانية . وتخفي وراءها آخر يرتدي حُلّة رمادية اللون وربطة عنق حمراء زاهية على قميص أبيض كان يمسك يد الحسناء يتحسسها برفق , يقف خلفها منشغلًا بما أمامه فلم يعي ما يحدث بالغرفة أو ما وقع بها من حادثة . - ضربت الفتاة صدرها بيديها البضة وصاحت بلوعة وقد اتسعت عيناها فاتخذت شكل عيون المشنوق المعلق بالأعلى وقالت : فعلها الأخرق مرة ثانية .. تلفّت رفيقها برأسه بعيدا عما يشغله للحظة بعد أن أزعجه صياحها فأدرك ما حدث ثم عاد لشغله وقال دون اهتمام : نجح أخيرا في مسعاه ثم سحبها برفق من يدها اليمنى , بينما تقبض هي بيسراها على ساعد الطبيب الواقف متأملا المشهد, جذبته برفق قائلة: من الأفضل أن نتركه ليستمتع بتجربته لقد فعلها بإرادته فهنيًا له مسعاه ثم تطلعت إلي المتربص وراءها قائلة : وهنا ما يشغلنا ويؤرق بالنا هذه اللحظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق