الأدب الذي ننشده
يظن العديد أن الأدب (الشعر, القصة, الرواية) حرام، وأن الذي يكتبه آثم، وهذا اعتقاد خاطئ.
كيف ولم يحرم الإسلام هذه الفنون، وقد أباحها، وإذا قرأنا في
التاريخ نجد أن النبي صلَّ الله عليه وسلم كان حوله شعراء من الصحابة رضي الله عنهم مثل سيدنا حسان بن ثابت وكان يقرب له المنبر ويقول له: اهجهم وروح القدس معك: يعني اهج المشركين وسبّهم، وروح القدس معك أي جبريل عليه السلام.قال النابغة: قلت يا رسول الله أبياتًا.
قال: قل:
تذكرت والذكرى تهيج على الفتى
ومن عادة المحزون أن يتذكرا
قال: هيه. يعني زد
قال:
سقيناهم كأسًا سقونا بمثلها
ولكننا كنا على الموت أصبرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا
من الضرب حتى نحسب البيض أحمرا
يقول في قومه يوم الهول: نضارب الأعداء حتى تتلطخ خيولنا البيض بالدم حتى نظن أن الشقراء حمراء.
ثم يقول:
بلغنا السماء جودًا ومجدًا سؤددًا
وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرًا
يعني لقد بلغنا يا رسول أنا وقومي إلى السماء من الكرم وعسى أن نبلغ فوق السماء.
فتبسم صلَّ الله عليه وسلم وقال: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟
يقول: إذا اخترقت السماء، أين نذهب؟
قال: إلى الجنة يا رسول الله.
قال له صلَّ الله عليه وسلم: لا فُضّ فوك.
يقال: عاش النابغة مائة وعشرين سنة ما سقط له ضرس واحد، ولا سن بدعوة النبي صلَّ الله عليه وسلم.
لذلك كان المصطفى يسمع الشعراء ويستحسن الشعر الحسن.
وعند مسلم عن عمرو بن شريد قال: ركبت خلف الرسول صلَّ الله عليه وسلم على بلغته، فلما مشى قليلًا قال لي: يا عمرو بن شريد، أتحفظ لأمية بن الصلت شعرًا؟
وأمية بن الصلت هذا مات كافرًا، وكان من أهل الطائف، كان شعره حسن، لكن كفر قلبه، وكان يتمنى أن يكون نبيًا، فلما بعث الله سيدنا محمد صلَّ الله عليه وسلم حسده وكذب دعوته.
قال عمرو بن شريد: نعم يا رسول الله.
قال: هيه. يعني أنشدني
قال: فأنشدته بيتًا.
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
فالنبي صلَّ الله عليه وسلم الذي كان يقول: وإن من البيان لسحرا كان يجالس الشعراء، ويتذوق الكلام الطيب، ويحسنه عليه السلام.
ومن عادة الشعراء قديمًا أن يبدأ القصيدة بالغزل العفيف، ولقد مدح كعب بن زهير بن أبي سلمى النبي بقصيدة حوالي ستين بيتًا وبدأها بالغزل، وقال:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
الشاهد قد سمع النبي صلَّ الله عليه وسلم الغزل العفيف؛ لأن هذه كانت عادة عند الشعراء أن يبدأ القصيدة بهذه الطريقة.
وكان حول النبي صلَّ الله عليه وسلم شعراء كثيرين، وكان يسمعهم ويستمع لشعرهم عليه السلام.
لهذا الإسلام يجشع المواهب الفنية المحترمة ويقدرها، ويجعل لها مكانة قيمة في المجتمع.
ولكن الذي يعترض عليه الإسلام من هذه الفنون الشعر الهجائي الفاحش في القول الذي يشهر بالمسلم.
وكذلك الخادش لمشاعر الآخرين الذي يبعث على قلة الحياء، والذي يصف مفاتن النساء ويتغزل فيهن غزلًا فاضحًا لا يراعي حرمة ولا عرض.
وكذلك فن كتابة الرواية والقصة لا بد أن تكون أخلاقية هادفة مفيدة ذات قيم؛ لأن الأدب فن قيم، ولا بد أن يكون هادفًا وبنّاءً يرسيّ قواعد الفضيلة في المجتمع.
ولقد عجبت لبعض الأدباء في ذلك الفن أنهم سلكوا طريق الإلحاد في كتاباتهم، وقد ضلوا الطريق وأضلوا، وتأثروا بكتّاب غير مسلمين، ولم يحسنوا الاقتباس ولا الكتابة في ذلك الفن الجميل الرائع.
ومنهم من سلك طريق الإباحية في السرد والحكاية، وخدشوا الحياء وهدموا الأخلاق، وهم على الساحة كثر.
لا بد أن يعلم الأديب الذي يخط بقلمه أن هناك ضوابط وقيمًا لا بد من مراعاتها عند الكتابة، وأن الكلمة أمانة سوف يسأل عنها أمام الله وأمام المجتمع.
ويعلم أن الأدب رسالة قبل أن يكون شهرة، وأن عليه بناء الأخلاق لا هدمها.
وأن يراعي مشاعر المجتمع الذي يعيش فيه ويحترمه ويجله.
الأدب الذي ننشده ونرجوه هو الأدب الذي يبني الأمم، ويثرى الأخلاق والقيم.
لذلك ما أحوج القارئ للكلمة الصادقة التي تحببه في دينه ووطنه ولغته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق