١توجهت جميلةُ إلي البنكِ، جلست مع المسئولِ، في دقائقِ معدودةٍ أنجز المطلوبَ، شكرته بإبتسامتِها الساحرةِ، وإستدارت لتنصرف فاتاها صوتُه
مُستبشراً: " تشرفنا بحضرتِك يافندم وتحت أمرِك دائمًا ". فى اليومِ التالي رن هاتفُها: "أستاذة جميلة، معكِ أحمد مِن بنك دار العربِ الوطني"، ردت بتوتر : " أهلاً يا فندم! ..." قال مُتلعثماًَ: " مُمكن ازوركم فى البيتِ؟ "، ردت وقد تملكتها الدهشةُ: " بيت! ... تقصد بيتنا، لماذا؟!
"، إبتسم خجلاً: " عازم نفسي على فنجانِ شاى ... مُمكن؟ " لجمتها الصدمةُ، صمتت بُرهة ثم أكملت علي إستحياء: "اتصل بأبي " . أيام قليلة وتحقق حُلمُ أحمد بلقاءِ الوالدِ وطلب يدَ جميلةِ، شئٌ واحد أثار قلقَ الأبِ؛ أن تعيش إبنته مع العائلةِ الكبيرةِ فى بيتٍ واحد . شرح أحمد متوسلًا: " قصرٌ فخمٌ ياعمي، لكلِ اسرةٍ جناحٌ خاصٌ، والبهو الكبيرُ للجميعِ، سعادةُ أبي وأمي في لمةِ أبنائِهم وأحفادِهم حولهم، شرفنا حضرتك بالزيارةِ وان شاء الله لن ترفض " . أنصرف أحمد، إجتمعت العائلةُ، رفضت جميلةُ:
" لا أستطيع يا ابي خدمةِ عائلة كبيرة...لا استطيع والله "، ورغم رفضها قرر الابُ زيارةَ العائلةِ؛ فلقد استحوذ أحمدُ علي إعجابِه، وصل الى القصرِ الكبيرِ، هالته مساحتُه الشاسعةُ وابداعُ بنائِه، التقي بوالدِ أحمد - فى السبعين مِن العمرَ- يبدو كالامراءِ، تحدثُ عن طبيعةِ حياتِهم فى هذا القصرِ: "أعمالُ المنزلِ والطعامِ لهم مَنْ يؤديهم، ورعايةُ الزوجِ والاحفادِ لامهاتِهم، نحن نزوجُ أبناءنا للسكنِ والمودةِ والاحفادِ " اما والدة أح كحمد ورغم أنها قد شارفت على العقدِ السادسِ من عمرِها تبدو شابةٌ .. وسيمةٌ.. انيقة.. لبقةٌ، أكدت: " أحمدُ أخر العنقودِ ونتمنى أن نفرح بأبنائه قبل ان …
" اقتنع والدُ جميلة وشعر بالسكينة ِوالراحةِ؛ لقد أطمئن قلبُه، وتم الزفافُ في غضونِ شهور قليلة، وشمل أحمد ووالداه جميلةَ بالإهتمامِ والرعايةِ والحبِ، ولم يَضايقْها شئٌ إلا مواعيد الطعامِ الصارمةِ، خمسة من الاخوة والاخوات وأزواجهم وأبنائهم يجتمعون علي طاولةِ الطعامِ مرتين فى اليوم، الغداء والعشاء. الايامُ تمرُ وجميلة سعيدة لاينقصها شئ؛ فأحمد جميل الطباعِ وهي لا تتوانى عن الاهتمامِ به، وفى غمرةِ سعادتِها كانت هُناك عيونٌ ترصدُها إعجاباًَ وعيونٌ ترقُبُها حقداً وضغينة وتشنها حرباً باردةَ شرسة ... نميرة زوجة الأخ الأكبر لأحمد؛ لقد أفقدها إعجابُ زوجِها بجميلةِ صوابَها... لا يرى جميلةَ إلا ويتحدثُ عن حُسنِ إختيار أخيه لعروسِه الرائعةِ، ويسترسلُ فى مدح براعتها فى إختيارِ ملابسِها وروعةِ انتقائِها لمفراداتِها، وكم هي راقية، وجابرة للخواطر ويُشير دائما ان أطفالَ القصرِ يهرولون إليها للعبِ معها والإستماعِ إلي حكاياتِها الفريدةِ .
اما الوالد فماعاد يحلو له فنجانُ القهوةِ الصباحيةِ الا مِن يدِها، والوالدة تركت لها الإشرافَ علي قوائمِ الطعامِ اليوميةِ وتنظيمَ طاولة الطعامِ ، ويحلو لها الحديثُ معها بالساعاتِ. كل يومٍ يمر يزداد وطيسُ الحربِ، ولا تملك جميلةُ حيلةً فمكوثِها فى جناحِها بالأيامِ وحيدةً أو الفرارِ إلي بيتِ أسرتِها بالايامِ يضعُها فى دائرة مُظلمةٍ فى قلبِ الوالدِ والوالدةِ وإنسجامها مع الأسرةِ الكبيرة وإهتمامها بكل أفرادها يزيد النارَ إشتعالاً فى قلبِ نميرة . وفى صباح يوم ملبدً بالغيومِ، قررت جميلةُ اللجوءَ للوالدِ، روت له كلَ ما يحدثُ بدموعٍ صادقةٍ دون ان تُزيد أو تُنقص شيئاً من أفعالِ نميرة وبعد العشاءِ عُقدت جلسةٌ كبيرة للمداولةِ، ليُحكم على إحداهما بالنفى خارج البيتِ الكبيرِِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق